16 سبتمبر 2014

أفضل الأعمال في أيام العشر

أفضل الأعمال في أيام العشر



موقع د.خالد المصلح



أيام العشر خير أيام الزمان لذلك كان للعمل الصالح فيها منزلة عظيمة عند الله تعالى، فالعمل فيها أفضل عند الله وأعظم وأحب منه في غيرها، روى الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ قَالُوا ، وَلاَ الْجِهَادُ قَالَ ، وَلاَ الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»([1]). وهذا فيه الندب إلى كلِّ عملٍ صالح، ظاهرٍ أو باطن، واجب أو مستحب . ولا يخفى أن العمل الصالح مراتب ودرجات، فالبحث عن الأفضل همة الألباب، وقد بيَّنت السنة أن أفضل ما يتقرب به المؤمن إلى الله تعالى في هذه الأيام وغيرها، هو اشتغاله بما افترضه الله عليه ففي الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي:((وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه))([2])، فكلُّ واجب يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى في هذه الأيام هو عند الله أفضل وأحب وأعظم من التقرب إليه بنفس الواجب في غيرها، لذا كان أول ما ينبغي أن يشتغل به المؤمن في هذه الأيام المباركة من الأعمال الصالحة: الفرائض والواجبات، ابتداءً بأركان الإسلام الخمسة، وأوّلها الشَّهادتان المتضمنتان الإخلاص لله تعالى ومحبته، وتعظيمه، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم ومتابعته ومحبّة كلّ ما يحبّه الله ورسوله، ثم يلي ذلك بقيّة أركان الإسلام، من صلاةٍ وزكاة وصوم وحجٍّ، وكذلك الاجتهاد في أداء حقوقِ الخلق، من بر الوالدين،وصلة الأرحام، وسائر ضروب البرّ والصّلة،وينضم إلى ذلك كف نفسه عما نهى الله ورسوله من المحرمات،في هذه الأيام، فإن اجتناب المحرمات في هذه الأيام أعظمَ أجراً وأجزل ثواباً عند الله تعالى، من اجتنابها في غيرها من الأيام. ثم بعد القيام بما فرض الله والكف عما حرم الله، فليسارع إلى كل بر وصالح من العمل، فقد قال النبي في الحديث الإلهي «... وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ...» الحديث([3]). ومن الجدير بالعلم أن أفضل أنواع العمل الصالح في أيام العشر وأيام التشريق ذكر الله عزّ وجلّ، بل هو سمة هذه الأيام وشعارها، فهي الأيام المعلومات وهي الأيام المعدودات التي ندب الله تعالى فيها إلى ذكره فقال:﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾([4])، وقال أيضاً: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾. وقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: واذكروا الله في أيام معلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق([5])، وبهذا التفسير قال جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم([6]). ومما يؤيد أن أفضل العمل في هذه الأيام ذكر الله تعالى ما رواه أحمد من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما منْ أيامٍ أعظمُ عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهنَّ، من هذه الأيام العَشْر، فأكْثِروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد». وكذلك ما رواه أحمد وغيره من حديث نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:«إِنَّ هَذِهِ الأَيَّامَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ ، وَذِكْرِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ»([7]) لهذا كان أبو هريرة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم يخرجان في أيام العشر إلى أسواق النَّاس وأماكن اجتماعهم يُكبِّران، ليس لهما من غرض إلا التَّكبير: «يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا»([8]). فالتكبير والتهليل والتحميد وسائر الذكر من أفضل ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام،زيادة على الذكر الذي يشرع للإنسان في كل أيامه، من أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم والاستيقاظ، وأذكار دخول المسجد والخروج منه، وأذكار أدبار الصلوات، وأذكار دخول الخلاء والخروج منه ونحو ذلك. فالذكر والتكبير مشروع بالاتفاق في هذه الأيام وهو من خير الأعمال، بل هو أفضل من الجهاد غير المتعين، لما في "الصحيح" من حديث ابن عباس حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ» قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلا الْجِهَادُ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»([9]). وأفضل الذكر المشروع في هذه الأيام التكبير، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»،ولما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم، ومن أصح ما ورد ما جاء عن سلمان رضي الله عنه أنه قال:« كبروا الله، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبيراً»([10]). ومنها ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وللَّهِ الحمدُ) ([11])، وقد جاء غير ذلك، لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير صيغة معينة فبأي صيغة كبر حقق المندوب. والذكر المشروع في هذه الأيام على نحوين: الأول ذكر مطلق، وهذا يكون من دخول شهر ذي الحجة، إلى غروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجّة آخر أيام التشريق، وسمي هذا الذكر مطلقا لأنه لا يتقيد بشيء، بل يكون في كل حين، وفي كل حال، وفي كل زمان ومكان قائماً أو قاعداً أو على جنب، في البيت أو في السوق أو في المسجد، روى البخاري عن عبد الله بن عمر أنه كان يكبر أيام منى على فراشه وفي فسطاطه وفي مجلسه وفي ممشاه تلك الأيام جميعاً. الثاني ذكر مقيد، وهذا يكون أدبار الصلوات، وللعلماء فيه أقوال: فمنهم من جعله عاما في أدبار الصلوات كلها، ومنهم من خصه بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، ومنهم من خصه بالجماعة دون المنفرد، أو بالمقيم دون المسافر. والظاهر أنه مشروع في أعقاب الصلوات مطلقاً المكتوبة وغيرها في الجماعة وغيرها، للرجال وغيرهم، في حال الإقامة وغيرها، هذا ما أفاده مجموع ما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم، وهو ظاهر اختيار البخاري([12]). أما وقت التكبير المقيد فيبتدئ على الصحيح من فجر يوم عرفة، لغير الحاج وينتهي بعصر يوم الثالث عشر من ذي الحجّة آخر أيام التشريق. وقد ورد ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وقد رجح ذلك جماعة من المحققين من أهل العلم قديما وحديثاً. أما الحاج فيبتدئ من ظهر يوم النحر لاشتغاله بالمناسك. وبهذا يتبين أن التكبير من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق يجتمع فيه التكبير المطلق والمقيد لغير الحاج، وأما الحاج فمن ظهر يوم النحر إلى آخر يوم من أيام التشريق. فلنملأ الدنيا تكبيراً ، لتمتلئَ قلوبنا لله محبة ، وله تعظيماً، وبه ثقة، وعليه توكلاً، فما أعذبه من هتاف، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيراً. 4/12/1434هـ.
([1]) صحيح البخاري (969).
([2]) صحيح البخاري (650).
([3]) أخرجه البخاري(6502)
([4]) سورة الحج: الآية (28).
([5]) صحيح البخاري (2/ 20).
([6]) بل قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن الأيام المعدودات في هذه الآية هي أيام منى وهي أيام التشريق الثلاثة.
([7])مسند أحمد (9/323)(5446)، وأصله عند مسلم.
([8]) صحيح البخاري قبل حديث(969)
([9])صحيح البخاري (916).
([10])مصنف عبد الرزاق(11/295).
([11]) أخرجها ابن أبي شيبة (2/167).


([12])انظر "الفتح" (2/462).

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يسعدني ويشرفني وضع بصمتكم في مدونتي ومروركم

زوزوا مدونتي تجدوا مايسركم ..وأفيدوني باقتراحاتكم

شكرا لكل زائر ولكل من قرأ حروفي

أسأل الله لنا ولكم رضى الرحمن والفوز بالفردوس بأعلى الجنان ..آمين