أعطني هذا الصاحب... وخذ مني الخلافة!!
الأخوّة في زمن العولمة!!
علي بن محمد سويلم
ما أجمل أن يكون لك من بين إخوانك المسلمين أخ صالح قريب منك، تربطك به علاقة حميمة خاصة، ما أجمل أن تجد هذا الأخ الذي يكون قريباً منك مهما باعدت بينك وبينه المسافات، ما أجمل أن ينعم الله عليك بأخ لا يمكن أن ينساك مهما تزاحمت عليه مشاغل الدنيا.
أخ يعتبرك جزءاً أساسياً في حياته، لا يمكن أن يغفل عنه مهما كانت الظروف، أخ يدعو لك كما يدعو لنفسه، بل ربما ينشغل بالدعاء لك عن دعائه لنفسه وأهله.
ما أعظمها من نعمة، جعلت الفاروق رضي الله عنه من عظمتها يقول مدركاً أهميتها: (ما أعطي عبد بعد الإسلام نعمةً خيراً من أخ صالح، إذا نسي ذكره، وإذا ذكر أعانه، فمن وجد منكم من أخيه وداً فليتمسك به، فإنه قلما يجد ذلك).
نعم والله (فإنه قلما يجد ذلك)، فربما تدعو الله بأن يرزقك هذا الأخ ولا يتحقق دعاؤك إلا بعد سنوات من الله عز وجل التضرع والإلحاح.
وحين يستجيب الله لدعواتك، وينعم عليك بنعمة الأخ الصالح، ربما يأتيك أخ من إخوانك مستفسراً عن سر اختيارك له أخاً ورفيقاً- كما حدث معي أكثر من مرة- فأظنك ستستحضر بعض الأسباب التي دعتك لهذا الاختيار، فتجيب سائلك بفخر واعتزاز، وتقول: لقد اخترت أخي هذا لأسباب كثيرة، أضع بعضها بين يديك.
ولكن وقبل الدخول في الأسباب لابد من التشديد على أمر في غاية الأهمية، اتفق عليه كل العقلاء في كل زمان ومكان، وهو أنه لا يوجد شخص على وجه هذه الأرض لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل سالم من العيوب والنقائص – عدا رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه – وإذا أردت أخاً بلا عيب بقيت بلا أخ، وصدق القائل:
ولست بمستبْق أخاً لا تلمٌّه *** على شعث، أي الرجال المهذب؟
والقائل:
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى *** ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه؟
فعش واحداً أو صل أخاك فإنه *** مقارف ذنب تارة ومجانبه
أما أسباب الاختيار، فهاك يا سائلي طرفاً منها:
ـ اخترته لدينه، وحرصه على رضا ربه، في مواقف كثيرة، عشتها معه مراراً وتكراراً، حيث لا يرانا إلا الله.
ـ اخترته لعقله، وفهمه للأمور على ما هي عليه، بدون إفراط ولا تفريط.
ـ اخترته لقدرته على فهم ما أقوله فهماً سوياً سليماً بلا عناء ولا مشقة.
ـ اخترته لشعوري الدائم بأنه قادر على فهم ما بداخلي ومن دون أن أتكلم.
ـ اخترته لسلاسته وسهولته، فلا أجد صعوبة أبداً من جهته في أي موقف من المواقف، فأشعر بارتياح كبير وأنا أتعامل معه.
ـ اخترته لحرصه على أن لا نختلف أبداً، وأن نعيش معاً بتوافق وانسجام، فلا هو بكثير الجدال والمراء، ولا اختلفنا مرة وكان اختلافنا سلبياً.
ـ اخترته لحرصه على التماس الأعذار لي، من دون تصيد للأخطاء، أو عد للزلات.
ـ اخترته لحلمه علي ، وصبره على عيوبي، وعفوه عن زلاتي من دون منة ولا تفضل.
ـ اخترته لحبه الخير لي كما يحبه لنفسه.
ـ اخترته لحرصه الشديد على ما ينفعني كحرصه على ما ينفعه، بل ربما آثرني في بعض الأحيان على نفسه.
ـ اخترته لاستعداده الدائم لإعانتي في كل خير، ومواساتي عند كل كرب، ووقوفه بجانبي في كل وقت. فما نشدته يوماً في أمر من أمور الدنيا أو الآخرة إلا وجدته لي ملبياً بكل سهولة ولين، وبدون جدال ولا مراء.
ـ اخترته لصفائه وصراحته وتلقائيته التي تريح النفس، وتطمئن القلب، وتزيل الكلفة.
ـ اخترته لحرصه على عدم إخفاء أي أمر من أموره عني ، ورغبته في مكاشفتي بما يجول في داخله، وبما يحصل من أمور حياته، من دون تحفظ ولا تكلف ولا غموض ولا خفاء.
ـ اخترته لأنني لا أشعر معه بأي كلفة أو تحفظ زائد.
ـ اخترته لحرصه على حفظ أسراري كحرصه على أسراره وأسرار أهله.
ـ اخترته لإدراكه قيمة الأخوة التي جمعتنا، وحرصه الدائم على صيانتها من كل ما يؤذيها من الأقوال والأفعال.
اخترته واخترته واخترته.
وحين سألتني عن سبب هذا الإخاء تذكرت قول علقمة العطاردي في وصيته لابن له لما حضرته الوفاة: (يا بني إن عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فأصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤونة مانك.
اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها.
اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك.
اصحب من إذا قلت صدّق قولك، وإن حاولتما أمراً أمّرك، وإن تنازعتما في شيء آثرك.
اصحب من يكتم سرك، ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك في الرغائب، وينشر حسناتك، ويطوي سيئاتك. فإن لم تجده يا بني، فلا تصحب إلا نفسك).
قال القاضي ابن أكثم: لما سمع المأمون هذا الكلام قال لناقله: (يا رجل أعطني هذا الصاحب وخذ مني الخلافة!! ولكن أين هو)؟!
أنا أجيبك يا أمير المؤمنين، إنه موجود، وما تفضل الله على عبد من عباده بنعمة بعد الإسلام خير منه، والمؤمن الذي عرف قيمة الصحبة الصالحة لا يستبدل به الدنيا وملكها وخلافتها وكل ما فيها؛ ولأجل كل ما سبق، ولغيره الكثير مما يعجز قلمي الضعيف عن وصفه، وعجزت لغتي القاصرة أن تعبر عنه، اخترتك يا أخي صديقاً وصاحباً وأخاً ورفيقاً.
اللهم كما جمعتنا في الدنيا على طاعتك اجمعنا في الآخرة في مستقر رحمتك
يوزن المرء بمن صاحب واختار ولياً
لم أزل أحمد ربي أن لي خلاً وفياً
مجلة المستقبل الإسلامي العدد 175
تحرير: حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
منقوول
0 التعليقات:
إرسال تعليق
يسعدني ويشرفني وضع بصمتكم في مدونتي ومروركم
زوزوا مدونتي تجدوا مايسركم ..وأفيدوني باقتراحاتكم
شكرا لكل زائر ولكل من قرأ حروفي
أسأل الله لنا ولكم رضى الرحمن والفوز بالفردوس بأعلى الجنان ..آمين